الأربعاء، 17 فبراير 2016

صدور الطبعة الثانية لرواية «أموات بغداد» في مصر لجمال حسين علي



القاهرة ـــ أ.ش.أ ـــ صدر عن دار الكتبي للنشر والتوزيع والمطبوعات بالقاهرة الطبعة الثانية لرواية الكاتب جمال حسين علي «أموات بغداد»، في 577 صفحة (مؤلفة من ثمانية كتب)، جاء تصميم الغلاف لمؤلف العمل، والتصميم الداخلي قام به خلود أشرف وأيمن محمود، فيما صدرت الطبعة الأولى عام 2008 عن دار «الفارابي».
ويقول الناقد محمد خضير إن رواية «أموات بغداد» تروي سيرة رجل خارق متخصص في «علوم احتمالات الحدود الفاصلة بين اليقظة والحلم»، وشملت بحوثه تعديلاً جينياً لخصائص الفرد والجماعات العرقية، وتنبؤاً بمستقبلها البيولوجي والاجتماعي، والرجل اكتسب معرفته هذه من صداقة الموتى في المشرحة خلال دراسته للطب في موسكو, إضافة إلى دراسة الفيزياء والرياضيات، واستكملها بعد دخوله العراق.
وتتجلى معرفة الرجل الخارق بأنطولوجيا الموتى، وتعتمد سيرة الرجل على فرضيتين استنتجهما جمال حسين من «الخلل المزمن في الآلية التي حدث فيها التغيير في العراق». الفرضية الأولى تفيد أن «المجتمع العراقي قد أطاح به تليّف، وأن قوى خارقة تلعب النرد بجيناته المنفلتة من مخبئها، بما يعني إمكانية حدوث شيء غير متوقع ومؤذ في أي لحظة»، وعليه فإن الفرضية الثانية تشير إلى ضرورة تحديد «الجينات الشريرة أو القاتلة»، وإطلاق «الجين الواشي» أو«الجين الكابح» لكشفها ووقفها.
ولقد توافرت للرجل الطبيب البنية المناسبة في مجمع الطب العدلي في بغداد لبدء العمل على «برمجة الحياة لتحضير جديد للخميرة التي تعد عجينة البلاد»، وتحقيق «إنسان كلي سليم» شبيه بآدم الكوني المركب من كيمياء الحواس والأعضاء والأماكن.
بقول القاص محمد خضير عن هذه الرواية: إن السؤال السابق لأي مفارقة خيالية في الرواية هو: كم يتحمل قارئ «أموات بغداد» كي يتأقلم مع «رهاب الموت»، الذي تحتويه كتبها الثمانية، وكم عليه أن يدقق في فرضياتها العجيبة، لكي يعتبر معرفته بمحتواها علماً وحدساً وفناً؟ وفوق هذا وذاك كم يحلق فوق مدينته حتى يقارب أطروحتها العلمية الأساسية ويقارنها بأطروحات «المصير الإنساني» في روايات المدن الكبرى، التي حاصرها الموت والوباء والرعب قبلها؟

القبس
http://www.alqabas.com.kw/Articles.aspx?ArticleID=1122506&CatID=834

جمال حسين علي: أرذل العمر.. هو الذي لا نعرف فيه كيف نحب؟!


في التقديم الصادم الذي اقتبسه عنوان هذه القراءة، يفتتح جمال حسين علي سيرة كيوبيدو ــــ كتاب الحب ــــ الصادر حديثاً عن دار «نوفا بلس» داخلا بثقة في مكتبتنا العربية، التي طالما خلطت ما بين الحب والغزل، وتحدثت حول الحب، وليس عنه.. عن الرجل والمرأة، كما لو كانا ــــ بالفعل ـــــ مؤشر الحب في الكوكب.. متجاهلين الأزهار والأطيار، الغيمات وقزحها.. وكل ما هو جميل ومُحبّ في عالمنا الذي تراجع الحب فيه كثيرا.. كثيرا.. ولعله يحتاج إلى صاعق بالكلمة ليذكره جمال حسين بأن:
ليس الذي تثقل فيه القدمان
وتنهار الأسنان
ولا الذي يسكن فيه الخريف تحت الجلد
ولا تفرق فيه بطاقة الذهاب عن الإياب
لا الفراغ الدائر في النوافذ المغلقة
ولا الغبار المارق في الأفئدة
وانفصام أجمل الذكريات
هو فوق الصوت الكئيب المفتت في العمى
ليس فرعا من الموت
وقسطا من اليأس
وجزءاً من الدموع المزنّرة
إن أرذل العمر
هو الذي لا تعرف فيه كيف تحب؟!
ليبدأ الكاتب في توضيح مساره مستندا على أناتول بروارد وموضحا سر السونيتات اللاحقة ومزيجها الغرائبي في أن «قصصي ليست مجرد مذكرات أو تاريخ.. إنها عيد للحب في كل زمان ومكان».
يقول الروائي جمال حسين عن أحد أهم أسباب فشل الحب، استسهال الناس له.. وبرأيه: خدعهم الشعر الرديء والتلفزيون المنحط وغير ذلك من وسائل مجتمعنا المعاصر.. ويؤكد أن الناس لا يعلمون أن الحب هو «حرب بقاء».. لكي تبقى كل لحظة.. شامخا مع من تحب.
لماذا أصبح الحب الحقيقي نادراً؟!
يجيب مؤلف سيرة كيوبيدو: لأن الأحاديث صارت مراسلات، والأفعال مكالمات، والمشاعر أيقونات انترنت.
المحبون يعتقدونه علاقة، بينما هو مصير.
يظنونه ارتباطا، بينما هو انصهار.
يتعاملون معه كقضية ضمن جدولهم اليومي، بينما هو نبض لا يتوقف.
أصبح الحب الحقيقي نادرا، لأن التضحية أصبحت تنازلاً، ولأن الشهامة اشتبكت بحرب خاسرة مع الكرامة، ولأن الوعود باتت مسجلة كشريط على الألسنة فقط.
أصبح الحب الحقيقي نادرا، لأن العهد مرجلة.. ولأن أصدقاء السوء كثروا والطيبين يثرمون بينهم.. ولأن المجتمع لا يرحم.
لأن المُثل العليا تدهورت في دنيا الغلبان فيها يطحن.
أصبح الحب الحقيقي نادرا، لأن الجنس صار: إما ممنوعا تماما وإما مباحا بالكامل، ولأن أجيالا تكبر وتخشى سماع كلمة «قبلة» فكيف تمنحك إياها بحب؟!
أصبح الحب الحقيقي نادرا، لأننا استبدلنا بالساقية «المقهى»، وبالبحيرة المرسيدس، ولأن المجتمع يرجم شاعرة لو قالت ما في قلبها، ولأنه لم يقرأ الشاعرة البابلية والسومرية والإغريقية والفارسية. واختفت اللوحة الرومانسية الحقيقية وشحبت الصورة.
أصبح الحب الحقيقي نادرا، لأن المناهج قتلت الروح الحرة، ولأن المعلم لا يعلم، لأن البنت يخطبونها وهي في رحم أمها، ولأن الولد يحمل سر أبيه.
أصبح الحب الحقيقي نادرا، لأن سؤال التعارف صار بدلا من: ماذا آخر كتاب قرأت؟ أنت من أي طائفة؟ ومن أي عائلة؟.. إلخ. لا ينظرون إلى جوهرك ومعارفك!
الحب الخالد نادر، لأنه يحتاج صحيفة جنائية ناصعة، حُسن سير وسلوك في كل جوانب الحياة، سجل أبيض مع جميع الكائنات والأشياء وليس مع الحبيب فحسب!
وندرة الحب تكمن في متطلباته الإعجازية: أن تكون في الزمان والمكان المناسبين، لحظتها أن تجمع ملايين الخيارات والطرق والمسارات في نقطة واحدة!
الحب الحقيقي نادر.. لأنه يحتاج إلى أناس بضمير وأخلاق، ويتحلون بخصال نقية، ويحملون مُثلا عليا. يحتاج إلى مجتمع نظيف. يستحيل رؤية حب صحيح في أجواء خطأ!
الحب الحقيقي نادر.. لأنه يستحيل أن يظهر في مجتمع: يقتل على الهوية، ويعيّن على النسب، ويزوّج على الأصل، ويطلق على الفصل.. الحب لا يعيش في بيئة ميتة!
الحب الحقيقي نادر، لأنه يهوى التغيّر والتطور والانطلاق، ومستحيل أن يتآلف مع عقول جامدة، وأفكار كالصخور. الرقيق لا يتوافق مع الفظّ والرحيم ينبذ القاسي.
فيلوفوبيا!
في أحد فصول الكتاب يناقش جمال حسين علي ما أطلق عليه الـ«فيلوفوبيا»، ويعتبره أحد أخطر أمراض مجتمعنا المعاصر. ويقول: لأنه خطير فلا أحد يريد التحدث عنه. فالناس يهجون الحب لأنهم يجهلونه، وبرأيه: لا توجد نفس عليلة تمنح حبا سليما! إنّ أمامكم طريقا طويلا وشائكا لكي تعرفوا الحب أولا، ثم تحبوا بشكل صحيح، فمحيطات العالم كلها لا تنظف فكرة واحدة خطأ، وستبقون تعساء طالما قلوبكم أتعس! ألقيتم الأجيال في أتون الكراهية، رضعوها في الرحم، وفي الجينات الشريرة، فكيف تطالبون شخصا بالحب وبذرته معجونة بالشر؟! سددوا فواتير القتل، أولا. أبشركم بأن الحب بعيد المنال عنكم، وأقصى ما تستطيعون إنجازه علاقات غرامية تشفي ما تبقى من غرائز ورثتموها، وليس لديكم فضل في تنميتها.. وهكذا، فكل مشاكل الدنيا ستبدو ضئيلة إذا كان الشخص المهم في حياتك يقول: سنمضي معاً لمواجهة كل الصعوبات.. أنا أحبك أقوى من الحياة!

القبس
http://www.alqabas.com.kw/Articles.aspx?ArticleID=1139811&CatID=834

قراءة في "بريد العظماء" لجمال حسين

القاهرة - مصر اليوم
جمال حسين كاتب روائي وصحافي عراقي، حاصل على درجة الدكتوراه في الفيزياء والرياضيات، وفاز بجائزة الصحافة العربية عام 2005، والعديد من الجوائز في الرواية والقصة والمسرح.
وقد تكون كثيرة هي الكتب التي سعى أصحابها إلى جمع خلاصة ما قرأوه من نصوص أدبية أو فلسفية أو فكرية، ونشرها بين دفتي كتاب لتكون زادا بين أيدي القراء والشغوفين بالتقاط الجمل الدالة والفقرات المخصوصة من إبداع الكتاب الكبار في أزمان مختلفة.
أما بخصوص هذا الكتاب الجديد "بريدعالمية "، الصادر عن دار "الآن ناشرون وموزعون في الأردن"، يجمع صاحبه المؤلف والكاتب العراقي جمال حسين علي، مختارات وفيرة وطائفة ضخمة من الأقوال والعبارات والفقرات الأدبية من نصوص عالمية لأشهر الكتاب والروائيين والقصصين في العالم.
العظماء ـــ نصوص
ويقول عنها "إنها ليست مقتطفات، ولا هي اقتباسات، إنها نتاج انصهار تام وهارمونيا تلقفتها من أولئك الذين جعلوا حياتنا أفضل وأجمل، من مئات الكتب والأفلام والمقابلات على مدى عمر من المتابعة؛ متابعة الأفضل والأجمل في حياتنا" يقع الكتاب في 338 صفحة من القطع المتوسط، يقدم له صاحبه في ما لا يزيد على صفحتين،.
ويترك القارئ في مواجهة نصوصه مباشرة ومعاينتها، ولا يشتمل الكتاب على فهرس أو فصول مرتبة، بل الكتاب من أوله إلى آخره استعراض متصل دون فواصل لهذه المختارات والفقر المقتبسة، لعل المؤلف قد قصد إلى ذلك قصدا، وهو ما أوضحه في المقدمة بقوله: "ستبدو للوهلة الأولى، كما لو رتبت (المواد) بشكل عشوائي، لكنها بتسلسلها الجذاب وغريب الأطوار، ستنقلكم من الإيثار إلى الغدر، ومن البخل إلى الكرم، ومن الزوايا المظلمة إلى المنيرة، ومن الشجاعة إلى الجبن، ومن بينها وحولها سنراقب الاشتباك في الرؤى والمواقف بين العظماء والصعاليك، الحكماء والمنبوذين، الأدباء والفلاسفة والعلماء والفنانين، الثوار والخونة، المنتصرين والمندحرين".
ويتابع: "هذه الباقة من الأسماء والحكايات، المواقف والقصص، تم التقاطها بكل عناية لتعبر كل جملة في هذا الكتاب عن تجارب سنوات طويلة في كل المجالات، من أقصاها إلى أقصاها، وإذا كانت جملة تناقض جملة أخرى، وكلمة تتجسس على الثانية، وعبارة لا تناسب التي بعدها، فلأن الحياة هكذا، بتناقضها وجاذبيتها المريبة، وحقائقها التي ترنو إلى الشك أكثر من انسجامها مع يقين متوار، ذاق ما ذاق من لوعة احتيال الأبواب التي لا تفضي إلى شيء".
ويؤكد المؤلف "ستطلعون على أسماء ربما لم تسمعوا عنها من قبل، وهذا تشريف أن يكون لهم صدى أول في المكتبة العربية وقارئها المخلص". أما الغاية الأساسية من هذا الكتاب، فتتضح بجلاء من قول الكاتب "وأي بهجة ستغمرنا، لو تمكن هذا الكتاب من فتح آفاق للتعرف عليهم، ومعرفة ما أنجزوه.. لنصبح طرف الخيط ونهايته، لطريقٍ شاقة وطويلة تحفر في أخاديدها، لتقدمه مصباحا وخطوة ونافذة مشرعة دائما للقديم/ الجديد الذي لولاه لما فاضت هذه الخلطة العجيبة، بالأسئلة الأكثر غرابة والتي ستصاحبكم ما إن تطفئوا هذا الكتاب".
ويبدو لمطالع الكتاب ومتصفحه أن جامعه هنا يستعيد تقليدا عربيا أصيلا، ومنهجا في الجمع والإعداد والاختيار، يعود إلى عشرات من كتب التراث الأدبي التي قامت على الجمع والاختيار وضم كل ما لذ سمعه وحسنت قراءته بين دفتي كتاب، من الأشعار والمنثور والحكم واللطائف، كما تبدى ذلك في كتب مثل "البيان والتبيين" للجاحظ، و"الأمالي" لأبي علي القالي، و"العقد الفريد" لابن عبد ربه الأندلسي، و"نثر الدر" للوزير سعد الدين أبي منصور الآبي، وغير ذلك كثير كما هو معلوم.
تبدو مطالعة كتاب من هذا النوع، ومصافحة العين لمختارات من كتابات أدباء ومفكرين وفلاسفة وروائيين مغامرة محمودة وجذابة بل مشوقة ومثيرة للفضول، فمن ذا الذي يعرض عن أسماء بحجم عمر الخيام وتولستوي وديستوفيسكي ورسول حمزاتوف وآينشتاين ونيتشه، وهنري ميللر، شابلن وجوته وأرسطو، ماركيز وريلكه وهيمنجواي.. إلى عشرات بل مئات آخرين.. هذا كتاب يجمع بين غلافيه عشرات الكتب، مقطرا خلاصتها ومصفيا عصارتها ويمنحها سائغة ميسورة لقارئ يبحث عنها ويستلذ بها .


http://www.egypttoday.co.uk/culture/book/%D9%82%D8%B1%D8%A7%D8%A1%D8%A9-%D9%81%D9%8A--%D8%A8%D8%B1%D9%8A%D8%AF-%D8%A7%D9%84%D8%B9%D8%B8%D9%85%D8%A7%D8%A1--%D9%84%D8%AC%D9%85%D8%A7%D9%84-%D8%AD%D8%B3%D9%8A%D9%86

الجمعة، 4 أبريل 2014

صخرة جمال حسين ..!




بقلم: حسين عبد الزهرة مجيد

هذا المساء, انطلقت القطة كالسهم, واقتنصت حمامةً بيضاء تائهة. أسرعتُ, لكن سيفها سبق العذل. خيط رفيع تسرب من منقارها الوردي. كانت في يدي مندر طفل صغير من القطن. قلتُ كنا نفترش الصبابة الإسمنتية, النهر الصناعي أمامنا يزكم الأنوف. جاء أحدهم يوماً بكتاب جديد, القبلة في الشعر العربي! ما لنا وللقبل, والشفاهُ جروحٌ. كانت "الوجودية مذهب إنساني". أنجزنا معاملة البعثة ونحن في حديد التويوتا. نسمكر أيضاً. نحن العجلاتية, نحب دورة الأفلاك. كنتَ مرة في المرسيدس الرئاسية, ومرة أراك معلقاً في باص الأمانة الأحمر. إنها بغداد الفاسدة, لكنها لم تزل مدورة. اقتنصتَ وزير التعليم العالي اقتناص الحمامة هذا المساء. قال, وما هذا الدليل "الدامغ"! ابتسم رجل النور, ودعاك إليه. تركنا "الحب في زمن الكوليرا" خلفنا. سرتُ جنوباً حتى حططتُ على لحية طاغور الملظومة بالزمرد, وأنتَ إلى صحراء التتار لترى دينو بوزاتي, وتطوفان معاً على رسول حمزاتوف. رأيتُ قميصها مرصعاً بحبات العرق. قالت, ماذا تفعل؟ قلتُ أخربش! وخربشتُ, من جون كيتس إلى جيمس جويس.

كنتَ أشجع مني. أغوتك قندهار, فسرت معهم. أصوليون, حداثويون. كل الأبناء حداثويون. كانت الأسطوانة مشروخة. نحن العراقيين! هم هناك يطلبون الحداثة الصحيحة. لا يحبون اللغو كثيراً. وحينما وجد الأخوة أن الكلام غير مجدٍ, صاروا يبيعون الثلج في بلاده. أما أنتَ, فسرت من بلادك داغستان, حتى حاورت الأموات, فأظهرت لنا عملاً خالداً لم ينظر إليه أحد حتى اليوم: "أموات بغداد"! ألم أقل لك إنهم كانوا يبيعون الثلج في بلاد الثلج.

أنظرُ إلى صورتها الآن, وما زالت الشفاه جرحاً على الوسادة, كلَّ الليل. اقتنصت الحية العصفورة, وما زال الفارسُ يردد: إلاّ أنتِ, يا حلمي!

بالأمس وجد أحدهم في أوريغون صخرةً على قارعة الطريق, قال الجيولوجيون إن عمرها أربعة بلايين, ونصف البليون سنة! ياه..! عثر الأريغوني على صخرته, وما زالت مخداتنا تسيل دماً, كل ليلة.
الرحلةُ, إنتهت!

 

الثلاثاء، 1 أبريل 2014

رواية: أموات بغداد - شعـريــة الـمـــوت - فنتازيات بغداد



محمد خضير

يروي جمال حسين علي في روايته (أموات بغداد، دار الفارابي 2008) سيرة رجل خارق متخصص في "علوم احتمالات الحدود الفاصلة بين اليقظة والحلم" وشملت بحوثه تعديلاً جينياً لخصائص الفرد والجماعات العرقية، وتنبؤاً بمستقبلهما البيولوجي والإجتماعي. اكتسب الرجل (حجب الروائي اسمه) معرفته هذه من صداقة الموتى في المشرحة خلال دراسته الطب في موسكو، إضافة إلى دراسة الفيزياء والرياضيات، واستكملها بعد هربه من روسيا ودخوله العراق مع دخول قوات الاحتلال إلى بغداد في نيسان 2003.
تتجلى معرفة الرجل الخارق بأنطولوجيا الموتى، بكثرة التنصيصات التي افتُتحت بها فصول الرواية (المؤلفة من ثمانية كتب و508 صفحات) وشُكّل منها الغطاء الشعري للغة الموتى المسطرة على صدورهم كلوح (ويجا) الأسطوري. أحس جمال حسين بوجوب هذا التنافذ النصي فاختار ستراتيجاً بنائياً يطوف حول مئات المدونات ويأخذ من نصوص الأولين والآخرين ما يدعم موضوعته عن "حقيقة الإنسان" في أرقى أشكالها وأعمق دلالاتها وأبعد احتمالاتها. إذ ليس بمكنة مؤلف معاصر أن يخوض هذا المخاض العسير ما لم يفترض مروره بأراضي جلجامش والمعري ودانتي وعشرات المنصصين المعاصرين، ويعتبِر بشعرية الموت التي تجلت في مدوناتهم العظيمة. 


تعتمد سيرة الرجل الخارق على فرضيتين خياليتين، استنتجهما جمال حسين من "الخلل المزمن في الآلية التي حدث فيها التغيير في العراق". الفرضية الأولى تفيد أن "المجتمع العراقي قد أطاح به تليّف، وأن قوى خارقة تلعب النرد بجيناته المنفلتة من مخبئها بما يعني إمكانية حدوث شيء غير متوقع ومؤذ في أية لحظة" (ص406) وعليه فإن الفرضية الثانية تشير إلى ضرورة تحديد "الجينات الشريرة أو القاتلة" وإطلاق "الجين الواشي" أو "الجين الكابح" لكشفها ووقفها. ولقد توفرت للرجل الطبيب البنية المناسبة في مجمع الطب العدلي في بغداد لبدء العمل على "برمجة الحياة لتحضير جديد للخميرة التي تُعدّ عجينة البلاد" (ص407) وتحقيق "إنسان كلّي سليم" شبيه بآدم الكوني المركب من كيمياء الحواس والأعضاء والأماكن. (ص408)


تبدو فرضيتا الرجل الخارق من نوع الأحلام الروائية التي استنسلها كتّاب روايات الخيال العلمي الأوائل (ماري شللي وويلز وفيرن وألدوس هكسلي) وحققها مهندسو الجينوم البشري اللاحقون في مختبراتهم السرية. ثم أتبعهم جمال حسين فدسّ اختراعه العلمي في حلم بغداد، بعد طواف طويل حول مدونات الموت التي أنتجتها المخيلة المثيولوجية. فإن لم تكن ناجحة عملية تهجين الجينات الشريرة بالجينات الطيبة، ومحاولة تركيب جسد خارق من أعضاء الجثث المقطعة، فقد يُنتج العمل التخليقي الخيالي نسخة من "حصان طروادة" تمكن جمال حسين من إدخاله على رواية التغيير في العراق.
إن السؤال السابق لأية مفارقة خيالية في الرواية هو: كم يتحمل قارئ (أموات بغداد) كي يتأقلم مع "رهاب الموت" الذي تحتويه كتبها الثمانية، وكم عليه أن يدقق في فرضياتها العجيبة لكي يعتبر معرفته بمحتواها علماً وحدساً وفناً؟ وفوق هذا وذاك كم يحلق فوق مدينته حتى يقارب أطروحتها العلمية الأساسية ويقارنها بأطاريح "المصير الإنساني" في روايات المدن الكبرى التي حاصرها الموت والوباء والرعب قبلها؟
كم يتحمل قارئ إعتيادي من ضغط السؤال (أو الأسئلة) التي تثيرها خوارق الرواية، إذا تصورنا دهشته إزاء موسوعة عقل طبي تشريحي مولع بقصص الموت وموديلاتها الشمعية؟ أما القارئ الفعال (فائق الخيال) فأغلب الظن أنه سينسب الأطروحة الأركيولوجية (وقريناتها من فنتازيات المشرحة البغدادية) إلى النمط الأصلي لقصص الرعب في العصور الوسطى، ويفسر عودتها إلى موقع السرد الراهن على أنه رغبة سايكولوجية لترميز الواقع البشع ومحاكاة تمثيلية لطرد أشباحه المحتلة. 


يؤشر القارئ الممتحن هذه الأسئلة، حالما ينتهي من تحديد موضوعة الرواية الرئيسة، وما اختزنته من قصص فرعية بعثرها المخطط السردي في طريقه. ولعل المفارقة الأشد إثارة تلك التي تقدمها الصفحات الافتتاحية بصيغة قصيدة نثرية تجمع بين شعرية العالم الفيزياوي وتشريحية الشاعر السردي، وتشير إلى مجهولية السارد الحقيقي لبقية الفصول. ولنتأمل هذه العبارة من المقدمة: "إن سحابة الأسى في صدور الأموات لا مناص من حرثها بتآلف ما اجترت الحياة من زغب الأولين كشرخ الكون الذي درس فيه صبيانية المجرة حين تندفع في الفضاء بفم منصهر" (ص11). وعند كشف الغموض عن هذه العبارة بمجاورة "سحابة الأسى" مع "شرخ الكون" و"زغب الأولين" مع "صبيانية المجرة" فإن المخطط السردي لفنتازيا الأموات سيتداعى بأكمله، ذلك لأنه خلط مجاز الشعر بحقيقة العلم وغطى مشرحة الموتى "بسحابة الأسى". أما ساردها المزدوج فهو ليس أكثر من "قاطع تذاكر الموتى" في زورق يتهادى على دجلة دونما ربان. 


دأب الرجل العائد على تدوين "ذكريات المستقبل" في دفتر الماضي المبعثر بين الوطن والغربة، ببلاغة الإحساس المستوطن في مجمع الجثث القادمة إلى مدينة الطب كل يوم بالعشرات. وبذلك اختلفت بلاغة سيرة العائد المقشعرة عن بلاغة السيرة المهاجرة بعيداً عن أرض الموتى. وبعبارة فإن سيرة الأموات قد احتلت خطاب الوطن بما ابتعثته من قصص الرعب وتنصيصات الخيال النيكروفيلي والتقديس الفيتشي للأعضاء الجنسية، مقابل التدفق الشعري الإلهامي الصافي لخطاب الذات المهاجرة التي تخلصت من دفاتر الماضي.
تمسك الرواية بموضوعتها الرئيسة عندما يطوي الرجل الكتب الخمسة الأولى، ويخصص الكتب الثلاثة الأخيرة لفكرته عن الإنسان المنشود وراء عملية البحث العلمية المضنية والعجيبة. سنعود لنسلسل حوادث السيرة العلمية والحياتية للرجل، منذ خروجه من العراق ودراسته في موسكو ووفاة حبيبته الروسية وعلاقته بامرأة أخرى تعمل في جهاز الاستخبارات لكنها تساعده على الهرب إلى سورية، ثم دخوله العراق عبر كردستان خلال الأيام الأولى للإحتلال، واقتفاء أثر عائلته في البصرة وبغداد، والتحاقه بفريق دولي جاء إلى العراق لتحديد مواقع المقابر الجماعية، حتى انتهى به المطاف للإقامة في مشرحة الطب العدلي، فيثير عمله هنا مفارقة أخرى. أقنع الرجل مدير المشرحة باستخدامه وإيوائه واستغل صلته السابقة بوزير الصحة فشارك المدير إدارة شؤون الجثث بعد الاعتراف بهويته الطبية. كانت وظيفة الرجل الخارق استقبال رسائل الموتى الملغزة، وأصبح دوره الآن انتظار المحاضرة الختامية التي سيعلن فيها عن صياغة الجسد الإنساني الكامل من فرضيات تشريحية وتنصيصات ميثولوجية وخرائط جيومية خيالية. 


استقرت حياة الرجل وانتقل للسكن في شقة بالكرادة وفرتها له وزارة الصحة، وأصبحت خطته المستندة إلى قانون أبقراط: "اكشف الماضي، شخص الحاضر، تنبأ بالمستقبل" ملك يمينه وتحت إشرافه المباشر على المشرحة. اقتربت أطروحته التشريحية من هدفها الأخلاقي العام لتنحصر في "إدراك الخطأ والصواب والقدرة على التحكم". ومن ناحية أخرى كان استنساخ نظام تأملي خالص شبيه بنظام الجينوم، قد قربه من أسلوبه السردي المزدوج بين شعرية العالِم وتشريحية الأديب الخيالي.
وبما تبقى من الكتب الثلاثة الأخيرة، وفرت أطروحات (أموات بغداد) العلمية والميثولوجية قاعدة بيانات واسعة لمخططات سردية فنتازية مستقبلية، لكن "الحل البيولوجي" الذي اقترحته الرواية لمواجهة الخلل الكبير في "المقاييس السياسية" الناشئة بعد الاحتلال، ربما كان أقل من توقعات قارئ يطلب تفسيراً غير خيالي لألغاز المشرحة القائمة في قلب المدينة التواق للحياة والنور. كانت بلاغة استشعار الموت التي انطوى عليها التشريح الخيالي لمدينة الموتى عالية التوتر وبالغة الطول، إلا أنها لم تكشف إلا مقداراً ضئيلاً من موضوعات "الحقيقة الإنسانية" و"التخاذل التاريخي" و"برمجة المستقبل" في عراق اليوم. 

جريدة الصباح
http://www.alsabaah.iq/ArticleShow.aspx?ID=56469

الخميس، 7 مارس 2013

هؤلاء غيروا الأدب - ما تبقى من "البيت جينيريشن"



كما تغيّر كل شيء في العالم بعد الحرب الكونية الثانية، ظهر في الولايات المتحدة عام 1950 أحد أهم الأجيال الأدبية في القرن العشرين، بوعي يحمل الكثير من الأسئلة والصدق والصراحة المؤلمة، وكذلك الجمالية والرصانة الفنية، في زمن بدا فيها الوعي يشكك ويجري اعادة تقييم شاملة لهياكل المجتمع التقليدية.

وكما شهد الاقتصاد الازدهار، فقد تكفل طلبة الجامعات بتحطيم أسس المادية، وبنوا وضعا ثقافيا أشبه بالاستجواب، وترسيخ الشك في كل المنظومة الرأسمالية المدمرة للروح البشرية، والمنكلة بالمساواة الاجتماعية، ناهيك عن نبذهم للثقافة الاستهلاكية السائدة آنذاك.
وبلا احتشام وبجرأة استثنائية، بدأوا بالكشف عن «المحرمات» في عالم الأدب والفن، وبدا واضحا أن عجلة «المطهرين» سائرة بلا هوادة، للخروج بأدب أكثر تجريبية ووضوحاً، معبرا عن كل شيء، في حين كانت موسيقى الجاز تعزف تحت الأرض، بعيدا عن كاشفات الرقابة واستفزاز السلطة، ولم يكن أحد في عام 1950 يدرك أن هذه الأصوات الأدبية والفنية مقدر لها أن تلعب دورها في تغيير الأنماط الثقافية، وتتوسع من ناحية الانتشار، حتى يومنا هذا
اللقاء المبكر


التقى مؤسسو «بيت جينيريشن» في جامعة كولومبيا عام 1940، وشكل جاك كيرواك وآلان غينسبيرغ نواة المجموعة، والأول من أطلق اسمها. ومن الأعضاء الأصليين لها: لوسيان كار وجون هولمز ونيل كاسيدي.
وتجدر الاشارة الى أن غريغوري كورسو كان أول من التقى بغينسبيرغ وحدثه عن ضرورة الكتابة عن قاع المجتمع الغامض، والابتعاد عن قاعات الجامعة المزخرفة. ومع ذلك فقد حافظ عناصر المجموعة على تعليمهم الجيد، حاملين طموح المنحدرين عن الطبقة المتوسطة.
في الأثناء عثرت المجموعة بالصدفة البحتة على وليام بوروز، المسرّح من الجيش لعدم صلاحيته للخدمة ومضيّه سنوات من التيه بوظائف مختلفة، لكنه وجد نفسه في مدار غينسبيرغ وكيرواك، وكان لعبقرية الثلاثة وتقاطعاتهم الابداعية الأثر البالغ في بداية «بيت جينيريشن» القوية.
عناصر تشكيل الرؤية
استندت «بيت جينيريشن» على مصادر متنوعة لتشكيل رؤيتهم الفنية الخاصة بالأدب والثقافة على العموم. فتجدهم مرة متأثرين بشعراء الرومانسية، مثل بيرسي شيللي وويليام بليك، لا سيما في الجانب الجمالي، فيما يتخلل ذلك مداهمات موفقة للسريالية والوجودية والعبثية.
في التوازي، كانت آثار القرن التاسع عشر الابداعية، مصدر إلهام للمجموعة، وخاصة القوية منها، متماشين مع قدرة هنري ديفيد ثورو الاحتجاجية.
في المقابل، كانت أمامهم شوارع المدن الأميركية الغاصة بالرفض والعوز والتذمر والعنصرية والتوق الى التحرر، فلم يكن غيره: ت أس اليوت مرشدا كلاسيكيا لمثل هذه الموضوعات، في حين تركوا لوالت ويتمان دور الأب الروحي الذي يستقر في مرساته قارب مجموعتهم كلما هبّت العواصف
مكتبة أضواء المدينة
وفي سان فرانسيسكو، التقى أعضاء المجموعة في مكتبة «أضواء المدينة»، التي أسسها سياسي مخضرم ومحارب قديم في الحرب العالمية، وتحولت إلى مركز للبيت جينيريشن، وانطلقت من هناك الروح الارتجالية لموسيقى الجاز لكامينغز، الذي كان يعجن الفكاهة بالعتمة، ليقدم صورة مثالية لأميركا منتصف القرن العشرين، وينفخ بما تبقى من حشمة للثقافة الأميركية، وبقدرة كافية عصفت بالرأسمالية التي ضلت طريقها.
ومع تلك العبثية، نالت الجمالية نصيبها الأكبر، فحوّلوا النكتة إلى فن خالد، وتمكنوا من وضع اثقال اضافية تكرس لهم لحظتهم التاريخية.
نقطة التحول
غير أن نشر قصيدة «عواء»، لآلن غينسبرغ، في عام 1956، عدّ نقطة تحول في تاريخ أدب البيت جينريشن والأدب الأميركي بشكل عام. وهي قصيدة طويلة، برأيي، لا تقرأ إلا بصوت عال.
لقد كانت «عواء» عودة للأدب الشفاهي الذي أهمل لمدة طويلة، وبالرغم من دور الرقابة أعاد غينسبرغ تعريفه للإباحية الأميركية، مؤكدا، وهذا الأهم، أن الشعر عند هذه المجموعة الثائرة «في مأمن»، حتى حينما يأخذ الشاعر مستمعيه إلى قاع بلدهم.. وينزل بهم إلى أسفل دركها الممزق، هناك حيث مدمني المخدرات والتائهين والبغايا والنصابين؛ هناك حيث النفور والغضب العارم ضد المنظومة التي تبيعهم وتشتريهم، مستخدما لغة شوارع شائعة، يشعر بها أناس القاع وتسمع بها النخبة والمحافظين للمرة الأولى في الشعر. هناك حيث الأحداث والمسميات المرّوعة التي لم تكن تأثيرات والت ويتمان بعيدة عنها، ويمكن سماع اصداءها في كل كلمة اهتز بها بدن غينسبرغ.
توسيع مفهوم الأدب
وهكذا أثرت الـ«بيت جينيريشن» على بنية المجتمع الأميركي، مع «عواء» غينسبرغ تم توسيع مفهوم الأدب، المقبول منه وغير المقبول، دكّ الرقابة وقابلية تحوير الخطاب العام في كل شيء، فما زال إلى يومنا هذا أنصار البيئة ومناهضو العولمة يعتمدون على قصائد وأعمال المجموعة كأيقونة وشعارات فكرية لنشاطاتهم.
وربما الأهم من ذلك، أعادت البيت جينيريشن للجيل الافتتان بالأدب والفن ودفعتهم للتجريب، وأسست فيهم ما يمكن أن نطلق عليه «الآراء الحديثة» (وليس الأيديولوجيا)، ونمط جديد في الحياة وصل حتى إلى اختيار الأزياء، لقد كانوا حقا؛ الظافرون بالتجريب ومحطمو الشكلية والتقاليد المحافظة المملة.
وساعدهم في ذلك، أن المجموعة المتوثبة كانت تسير قدما، كما لو كانت تشقّ الفراغ، وبرعوا في توزيع الأدوار وتقاسمها بشكل مشترك، فالعباءة السوداء في غضون قراءة الشعر، ما زالت حتى الآن أحد رموزها، والأداء التمثيلي، والمفاجآت المستمرة على المنصة والمسرح والشارع، حيث الهيبيز يحملون ادعاءاتهم منذ مطلع الحرب العالمية الثانية لتغيير النظام والتمرد عليه.


السبت، 17 مارس 2012

أخطاء شائعة

الجميع يرونه يبتسم
بعضهم يبتسم معه
والآخر يظنه أبلها
لكنه في كل مرة
كان يبكي.

الجميع يظنون
أن المنتحرين يهربون من العناء
ويهوون الموت
لكنهم في كل مرة
يركضون نحو الحياة.

الجميع يشاهدونه محبطا
ويتلمسونه كئيبا
وبطبيعته
يؤلف النكات في الخفاء.

الجميع يأمل قبل الموت بلحظات
أن يتذكر أجمل ما جادت له الدنيا
لكن كل المحتضرين
يشغلهم على نحو أكبر
المستقبل.

الجميع يشعرون بسعادتهما
المحبان الباديان في منتهى المرح
لكنها حُسن إدارة صغيرة
لكي يتحمل بعضهما البعض
ويتقبل جحيم الآخر.