الأربعاء، 17 فبراير 2016

جمال حسين علي: أرذل العمر.. هو الذي لا نعرف فيه كيف نحب؟!


في التقديم الصادم الذي اقتبسه عنوان هذه القراءة، يفتتح جمال حسين علي سيرة كيوبيدو ــــ كتاب الحب ــــ الصادر حديثاً عن دار «نوفا بلس» داخلا بثقة في مكتبتنا العربية، التي طالما خلطت ما بين الحب والغزل، وتحدثت حول الحب، وليس عنه.. عن الرجل والمرأة، كما لو كانا ــــ بالفعل ـــــ مؤشر الحب في الكوكب.. متجاهلين الأزهار والأطيار، الغيمات وقزحها.. وكل ما هو جميل ومُحبّ في عالمنا الذي تراجع الحب فيه كثيرا.. كثيرا.. ولعله يحتاج إلى صاعق بالكلمة ليذكره جمال حسين بأن:
ليس الذي تثقل فيه القدمان
وتنهار الأسنان
ولا الذي يسكن فيه الخريف تحت الجلد
ولا تفرق فيه بطاقة الذهاب عن الإياب
لا الفراغ الدائر في النوافذ المغلقة
ولا الغبار المارق في الأفئدة
وانفصام أجمل الذكريات
هو فوق الصوت الكئيب المفتت في العمى
ليس فرعا من الموت
وقسطا من اليأس
وجزءاً من الدموع المزنّرة
إن أرذل العمر
هو الذي لا تعرف فيه كيف تحب؟!
ليبدأ الكاتب في توضيح مساره مستندا على أناتول بروارد وموضحا سر السونيتات اللاحقة ومزيجها الغرائبي في أن «قصصي ليست مجرد مذكرات أو تاريخ.. إنها عيد للحب في كل زمان ومكان».
يقول الروائي جمال حسين عن أحد أهم أسباب فشل الحب، استسهال الناس له.. وبرأيه: خدعهم الشعر الرديء والتلفزيون المنحط وغير ذلك من وسائل مجتمعنا المعاصر.. ويؤكد أن الناس لا يعلمون أن الحب هو «حرب بقاء».. لكي تبقى كل لحظة.. شامخا مع من تحب.
لماذا أصبح الحب الحقيقي نادراً؟!
يجيب مؤلف سيرة كيوبيدو: لأن الأحاديث صارت مراسلات، والأفعال مكالمات، والمشاعر أيقونات انترنت.
المحبون يعتقدونه علاقة، بينما هو مصير.
يظنونه ارتباطا، بينما هو انصهار.
يتعاملون معه كقضية ضمن جدولهم اليومي، بينما هو نبض لا يتوقف.
أصبح الحب الحقيقي نادرا، لأن التضحية أصبحت تنازلاً، ولأن الشهامة اشتبكت بحرب خاسرة مع الكرامة، ولأن الوعود باتت مسجلة كشريط على الألسنة فقط.
أصبح الحب الحقيقي نادرا، لأن العهد مرجلة.. ولأن أصدقاء السوء كثروا والطيبين يثرمون بينهم.. ولأن المجتمع لا يرحم.
لأن المُثل العليا تدهورت في دنيا الغلبان فيها يطحن.
أصبح الحب الحقيقي نادرا، لأن الجنس صار: إما ممنوعا تماما وإما مباحا بالكامل، ولأن أجيالا تكبر وتخشى سماع كلمة «قبلة» فكيف تمنحك إياها بحب؟!
أصبح الحب الحقيقي نادرا، لأننا استبدلنا بالساقية «المقهى»، وبالبحيرة المرسيدس، ولأن المجتمع يرجم شاعرة لو قالت ما في قلبها، ولأنه لم يقرأ الشاعرة البابلية والسومرية والإغريقية والفارسية. واختفت اللوحة الرومانسية الحقيقية وشحبت الصورة.
أصبح الحب الحقيقي نادرا، لأن المناهج قتلت الروح الحرة، ولأن المعلم لا يعلم، لأن البنت يخطبونها وهي في رحم أمها، ولأن الولد يحمل سر أبيه.
أصبح الحب الحقيقي نادرا، لأن سؤال التعارف صار بدلا من: ماذا آخر كتاب قرأت؟ أنت من أي طائفة؟ ومن أي عائلة؟.. إلخ. لا ينظرون إلى جوهرك ومعارفك!
الحب الخالد نادر، لأنه يحتاج صحيفة جنائية ناصعة، حُسن سير وسلوك في كل جوانب الحياة، سجل أبيض مع جميع الكائنات والأشياء وليس مع الحبيب فحسب!
وندرة الحب تكمن في متطلباته الإعجازية: أن تكون في الزمان والمكان المناسبين، لحظتها أن تجمع ملايين الخيارات والطرق والمسارات في نقطة واحدة!
الحب الحقيقي نادر.. لأنه يحتاج إلى أناس بضمير وأخلاق، ويتحلون بخصال نقية، ويحملون مُثلا عليا. يحتاج إلى مجتمع نظيف. يستحيل رؤية حب صحيح في أجواء خطأ!
الحب الحقيقي نادر.. لأنه يستحيل أن يظهر في مجتمع: يقتل على الهوية، ويعيّن على النسب، ويزوّج على الأصل، ويطلق على الفصل.. الحب لا يعيش في بيئة ميتة!
الحب الحقيقي نادر، لأنه يهوى التغيّر والتطور والانطلاق، ومستحيل أن يتآلف مع عقول جامدة، وأفكار كالصخور. الرقيق لا يتوافق مع الفظّ والرحيم ينبذ القاسي.
فيلوفوبيا!
في أحد فصول الكتاب يناقش جمال حسين علي ما أطلق عليه الـ«فيلوفوبيا»، ويعتبره أحد أخطر أمراض مجتمعنا المعاصر. ويقول: لأنه خطير فلا أحد يريد التحدث عنه. فالناس يهجون الحب لأنهم يجهلونه، وبرأيه: لا توجد نفس عليلة تمنح حبا سليما! إنّ أمامكم طريقا طويلا وشائكا لكي تعرفوا الحب أولا، ثم تحبوا بشكل صحيح، فمحيطات العالم كلها لا تنظف فكرة واحدة خطأ، وستبقون تعساء طالما قلوبكم أتعس! ألقيتم الأجيال في أتون الكراهية، رضعوها في الرحم، وفي الجينات الشريرة، فكيف تطالبون شخصا بالحب وبذرته معجونة بالشر؟! سددوا فواتير القتل، أولا. أبشركم بأن الحب بعيد المنال عنكم، وأقصى ما تستطيعون إنجازه علاقات غرامية تشفي ما تبقى من غرائز ورثتموها، وليس لديكم فضل في تنميتها.. وهكذا، فكل مشاكل الدنيا ستبدو ضئيلة إذا كان الشخص المهم في حياتك يقول: سنمضي معاً لمواجهة كل الصعوبات.. أنا أحبك أقوى من الحياة!

القبس
http://www.alqabas.com.kw/Articles.aspx?ArticleID=1139811&CatID=834

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق