الأربعاء، 1 يونيو 2011

الثقافة بعد انهيار الأنظمة الشمولية (2)



مفارقات الأدب التشيكي

تظل الثقافة مكبلة بالخوف والسرية تحت طائلة الأنظمة القمعية والشمولية، وتكتسب معنى وحضوراً نخبوياً لدى قلة تبحث عن الكتاب المهرب، وتهمس بالأفكار المسربة عبر الحدود عن العالم الآخر المختلف، سواء المطمور والمسكوت عنه، أو القادم من عوالم تتمتع بحرية وتطور أكبر. هذا ما عانته الثقافة في محيط دول شرق أوربا وروسيا وغيرها، وما زالت تعانيه الثقافة في الوطن العربي تحت أسماء أخرى لا تلجأ إلى القمع المباشر للفكر وإنما تقوم بذلك تحت اسم الحفاظ على الهوية، أو الحفاظ على المجتمع من الغزو الثقافي، وغير ذلك من الأسماء. والقبس تستكمل في ضوء ما يشهده العالم العربي من ثورات وانتفاضات، مسار الأدب والثقافة في الدول التي عانت من الحكم الشمولي قبل انتفاضاتها الديموقراطية وبعدها، بعد ان قدمت صورة للأدب الروسي في حلقة سابقة تتناول هذه المرة الأدب التشيكي.
بعد حركة التغيير التي شهدتها براغ، والمدن التشيكية الأخرى التي يسمونها «ثورة نوفمبر 1989»، وهي الثورة المخملية التي اطاحت بالنظام الشيوعي، بدأ التطور السلس للحياة الادبية وبشكل طبيعي، واستعاضوا عن اتحاد الأدباء التشيك المؤسس في الحقبة الشمولية بجمعية الكتاب، وسرعان ما ظهر العشرات من الناشرين الجدد، وبدأ القراء يتلقفون العناوين الكثيرة للكتاب الممنوعين في المنفى، مثل بيتر ساباش، وايفان بلوتني، وايفان مارتن جيرويس، وجاشوم توبل، وميلوش اربان، وباتريك اردينك، وبيترا هولوفا وآخرين.
موجز تاريخي
اذا كان مؤرخو الادب، يحددون القرن الحادي عشر منطلقا للادب التشيكي، وعام 1468 نشر اول كتاب مطبوع، فان القرنين السابع عشر، والثامن عشر شهدا بطشا حقيقيا للكتب التشيكية الكلاسيكية، بعد استيلاء السلالة الهابسبورغية الاقطاعية والرجعية التي ارادت نشر اللغة اللاتينية، فيما بقيت التشيكية مقتصرة على «الادب الشفوي»، لغاية القرن التاسع عشر، وحيث طور اللغة الادبية مصلحون كبار، وعلماء لغة واجتماع متبحرون، مثل جوزيف دوبروفسكي وجان هوس، ويغان اموس كومنسكي، وعبروا بها من حدود لغة المحليين الى آفاق اوسع، ومن ثم وظفها فاتسلان هانكا في القرن التاسع عشر بثورته الاحيائية، وفتح الطريق الى كولار وشيلاكوفسكي وايدي بوزينمكوفا، والوا جيراسك ويارسولاف فرتشليكي، وبيتر بزورك، وكاريل كابك، وغنيفكوفسكي، وغيرهم الذين ساعدوا على انتشار الادب التشيكي عالميا، لغاية الحربين العالميتين، وادخال تشيكوسلوفاكيا في المنظومة الاشتراكية بالقوة، الامر الذي ادى الى تراجع الادب، واختفاء الادباء او هروبهم.
قبل 1989
تميزت هذه المرحلة بعدم الثقة بالنظام، والركود في الادبيات الرسمية، وازدياد الكتاب الممنوعين.
لكن عام 1989 شَهد سقوط الحواجز، ليس السياسية فحسب، بل النفسية، فقد كان انصار «ما بعد الحداثة» يكرّسون اعمالهم في الرواية والمسرح (منطقة الشفق) والاغاني واليوميات والمذكرات والرسائل، وبدأت الكلمة تسمع صداها بين الناس.
بموازاة ذلك، تعددت وسائل النشر باختفاء السيطرة و«المركزية» للنظام، ولا بد من الاشارة الى ان جمهورية التشيك لم تشهد حالات الفوضى المعروفة في الدول التي تغيّر انظمتها، وكانت تصحح التشوهات التي احدثتها المنظومة الشمولية بهدوء.
لكن، استمرت مشكلة فقدان الادب تأثيره في المجتمع والحياة عموما، ولم تستطع الآداب الشعبية سد الهوة التي حصلت لعقود.. وكان الاحساس بالمعاناة اشد لدى شعب فضل دائما الابداع بكل فروعه على السياسة، ويعرف مبدعيه ومفكريه وفنانيه، اكثر بما لا يقاس من معرفته بالسياسيين واسمائهم.
وربما ساعد رفع الحظر واختفاء الرقابة عن النشر والعرض والبث، الى ظهور انواع جديدة لم يهتم لها الادب التشيكي سابقا مثل القصص البوليسية والجنسية والخيال العلمي.
المفارقات الكبرى
لا يشك احد في أن كل شيء في الدول الشمولية التي تغيرت بحاجة الى اعادة تعريف بفضل «القضايا الجديدة»، و«انهيار التقاليد». ولا بأس ان نقول ان اعادة التعريف ستستند الى «الحالة صفر».
فما الذي ميّز «الحالة صفر» في الادب والابداع التشيكي المعاصر؟
برأينا، ان اهم ما في الحياة الجديدة بعد سقوط الانظمة الدكتاتورية هو «سقوطها»، بمعنى ادق «اختفاء العدو» الرئيسي للابداع.
فالانظمة الشمولية هي اكبر مفارقة في الادب، وهذه المفارقة فُقدت وفُقد معها ما يمكن ان نسميه «مفارقة الحقيقة» (التي يدعي الادب انه يتبنى كشفها).
ما بعد 1989
وبحلول مرحلة ما بعد 1989 كان الادب في امس الحاجة الى من يسد الفجوة، فظهر من يكتب عن حلم الخلود مثل ايفان سلافيك في «سنوات الجبل» والعودة الى التاريخ في اعمال آنا فرانك.
كما الاسطوانات التي كانت تعيدها على الاسماع ماشا ديفيس، والروايات المنقمة بالافكار والاسلوب والمعتمدة على السيرة الذاتية في «شتاين» لأليس توكالسوف والاصرار على الادب كرسالة في «عزيزي السيد كولار - 1994» لفاسيلكوفا وروايات مثل: «سرير احمر ــ 1999»، «يوميات مدير ــ 1995» و«الطيور على الاسلاك ــ 1998»، و«سنة رائعة ــ 1995» والورق الكثير الذي طبعت عليه سير الشخصيات التي كانت ممنوعة والمقابلات والشهادات عن العصر المغلق.
التحدي
ان التحدي الاكبر الذي واجه الادباء التشيك المعاصرين بقاء فرانز كافكا الاسطوري في «معنى» ما يسمى «الاعمال الكبيرة»، وارتباط ذلك في ما يمكن ان يقدمونه في «مرحلة ما بعد الحداثة».
فالادباء التشيك حرموا من «رواية كبيرة»، كما انهم وجدوا انفسهم بمواجهة عالم متعدد الثقافات، ومصادر مختلفة، ووجهات نظر متنوعة، بما فيها تنوع الاسلوب وطرق غير مجربة في الاستشهادات والمرح والوضوح والقراءة المزدوجة للنص وثقافة البوب والحالات الغريبة وألعاب اللغة والانحراف والعنف والتفكير الآخر والتكامل لغاية الاقتراب من المقال، وثمة من أعاد صياغة «موضوع المدينة» («المدينة المروعة» لهالوفا و«المدينة التوأم» لأجفار).
هناك من عاد الى عالم الحيوانات، الى تنين كومودو والنسر مثل رواية «الدب» لكراتوشفيل وكرر الزخارف الحيوانية في الاساطير والصراع بين الخير والشر.
ولا يمكن اغفال دور «القصص اليومية» التي تبحث في موضوعات أزمة منتصف العمر والمال والعلاقات العابرة مع النساء والحانات والعزلة وفقدان العائلة والاكتئاب الطفيف.
ومن الضروري التوقف عند عمل ياروسلاف روديس «الجنة تحت برلين»، وأعمال فاتسلاف «بيتر الأحدب» عن المجد الضائع للبطريركية واستثناءات جون بالابان ومداعيات اوسترافا مع مفارقات الحياة اليومية.
لقد تميز المعاصرون التشيك في طرح اكثر مواضيع الأدب دقة في اعمالهم: الوهم، الكمال، الانحطاط، الاباحية الفردية، الخرافة، التدمير الذاتي، الى جانب النسوية المتطرفة عند هولوفا والأسرة باعتبارها «مصدرا للصدمة» لدى برابوسوفا وقصص الفتيات لبلاتزوفا وتجريب ديفيد زابرانسكي الجريء.
أدباء المنفى
الى جانب هذا فهناك العديد من الكتاب التشيك، الذين اختاروا في الأوقات الشمولية العيش في المنفى مثل الأكثر شهرة ميلان كونديرا الذي انزوى في فرنسا واصبح فرنسيا ويكتب بالفرنسية، وباتريك أوريدنك والشاعرة والروائية فير لينارتوفا والكاتب المسرحي بافيل كوهي والشاعر والروائي جورج غروس الذي كان سفيرا لجمهورية التشيك في النمسا واستقال من منصبه بعد ان اصبح رئيسا لنادي القلم الدولي.
ومنذ عام 1969 كان الشاعر ايفان ديفين يعيش في ميونخ ويعمل في اذاعة اوروبا الحرة، كما الشاعر انتوني سرمغور الاستاذ المشارك للغة والأدب التشيكي في جامعة هامبورغ، وأطول منه عاش في المانيا فلاتسميل تريسينك، فيما تنقل لين براغ وهامبورغ الفنان والشاعر شارل ترنكويتز.
وتقيم في اسبانيا الكاتبة والمترجمة مونيكا زغوتسوفا وفي انكلترا الشاعر والكاتب ايفان بلوتني وفي روما استقر الناقد ريختر سيلفيا.
واستقر الكاتب جوزيف سكوفورسكي في تورنتو الكندية والشاعر ايفان شينروفر اختار الولايات المتحدة وهاجر الى اسرائيل حتى توفي فيها عام 2006 الكاتب والمترجم فيكتور فيشل.
النجم اللامع
حاليا يبرز ميشيل فييخ الحائز على جائزة الدولة للآداب ويواكيم وبيتر اميل وهاكل هولفا ولينكا رينيروفا وغيرهم.
غير ان فييخ المولود في براغ عام 1962 يعتبر الأشهر وكتبه الأكثر مبيعا وترجمت مؤلفاته الى اكثر من 20 لغة، على الرغم من ان النقاد يتهمونه بالسطحية والابتذال الذي يجذب العامة.
ومع ذلك رشح لجائزة «ايمباك» الادبية الدولية في دبلن وفي عام 2005 حاز جائزة «مغنيسيا» الأدبية. وقرأ شعره في المانيا والنمسا وفرنسا وبريطانيا واسبانيا والدانمرك وحتى في تايوان.
كتب عن صديقاته في «يوميات 2005» قبل ان تضبط حياته زوجته الثانية فيرونيكا بابنتان سارة وبار.
بدأ النشر مباشرة بعد التغيير عام 1990برواية بوليسية، تلتها سيرة ذاتية 1992حولها بيتر نيكولاييف الى فيلم سينمائي عام 1997، ومن ثم تلاحقت رواياته التي كانت تحول الى السينما مباشرة.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق