الأربعاء، 25 مارس 2009

ايقونة فن الشارع

Shepard Fairey
ولد فرانك شيبارد فيري في فبراير 1970 في كارولينا الجنوبية. قاد في عام 1989 أكبر حملة لصق رسومات لفناني الشارع Obey وكان يتجول في دراجته نهارا ليحدد الأماكن التي سيرسم عليها ليلا. ومنذ عام 1992 تمكن من ابتكار أسلوب «الرسم البديل» في اللوحات التي كانت تنهمر على الشارع الأميركي منبئة عن تصاعد موهبة لافتة جعلت رسوماته تتصدر عالم الملصقات، الفانيلات، القبعات، طوابع البريد وتعدد استغراقه في الأسلوب الجديد لفن الشارع، وأن تتصدر لوحاته معظم الإعلانات التجارية الصغيرة التي كان يغطي بعضها على نفقته الخاصة، مبينا تفسير ذلك في أن غايته تنحصر في إيصال رسوماته إلى كل الناس، حتى لو كانت مطبوعة على أكياس. ونعتقد أنه بهذه العبارة والتصرف، كرّس «فلسفة فن الشارع» في أعمق ما يمكن أن تصل إليه، كما لو كان أيديولوجي «فكرة الملصق» التي هدمت الأساليب التقليدية للرسم والتصميم ومزجتهما لتمنح الجمهور الواسع صنفا جديدا يتسرب لاشعوريا في الوعي الجماعي الذي تثبت فيه الصور والرسومات التي كان يلصقها مشكلا أكبر فرقة لاصقين في العالم بالتعاون مع فناني شارع برزوا بعده في عام 1995 أمثال: أندي هول وديف كينزي وفيليب دي وولف.


من التشرد إلى التنظيم
هذه المجموعة سيطرت في البداية على السوق الفنية للملصقات الرياضية والألعاب وما تتطلبه من ملابس ومعدات وإكسسوارات. وكانوا يشغلون في الشارع وعلى طبيعتهم البوهيمية، لكن رجال مكتب التحقيقات الفدرالية «أف بي آي» لم يتمكنوا من الصبر على ثلة الشبان الذين يملأون الجدران برسوماتهم «الثورية»، ليزجوا في المعتقل الذي أجبرهم على تأسيس شركة «رسمية» للتصميم والتسويق، ساعدتهم في ذلك زوجة فيري المستقبلية أماندا آيالا التي كانت أكثر اتزانا وتنظيما وتمكنت من إقناع مجموعة الفنانين المتشردين بالانتقال من سان دياغو إلى لوس أنجلوس لكي يتسنى لهم التوسع في عاصمة الفن ونظمت لهم أول معرض في صالة فنية عام 2001 بعد أن كانت رسوماتهم تمحى لوحدها على جدران الحواري الفقيرة.

الثقافة الشعبية
وهكذا أصبحت أماندا «المنظم» الفعال لصعاليك الشارع وفي غضون بضعة أشهر تمكنوا في عام 2003 من السيطرة على سوق الملصقات الموسيقية والأزياء ( بعد الرياضية). وفي عام 2004 انضم إليهم صديقهم الضائع روجر غاستمان المخلوق في برميل «ثقافة البوب» كما يسمونه، ليؤسسوا معه أكبر استديو لفن الملصق ورسوم الشارع في العالم وأصدروا ثلاث مجلدات ضخمة لرسوماتهم عام 2006 وزعت منها ملايين النسخ. ويرى نقاد الفن أن أعمال شيبارد فيري لا تضاهيها إلا ما عرف به رائد «فن البوب» أندي وارهول ( اشتهر بملصقات الـ silkscreen لألفيس برسلي ومارلين مونرو ومشاهير آخرين)، بمزجهما بين الفن الرفيع والتجاري واستخدامهما الوعي الشعبي. وامتدت جذور فن فيري إلى مشاهدات موسيقى البونك والتزلج في الثمانينات وراديكاليته التي واجه بها استبداد المؤسسة الأمنية متحدثا بصدق عن العالم الحقيقي الذي لم يقدم للناس بشكله الصريح وكان في كل مرة يعتقل لأنه لم يترك مبنى لم «يشوهه» كما يحررون محاضر الشرطة. لقد أثار فيري وفريقه منتجي السينما، وجذب نحوه المخرجين الذين نفذوا مجموعة من الأفلام الوثائقية عن هذه المجموعة الفريدة وعرضوها في مهرجان سينمائي خاص تحت الأرض في نيويورك وشاركوا في هذه الأفلام بمهرجان سنداس السينمائي وبعد الشهرة التي حققتها هذه الأفلام عرضت في أكثر من 70 مهرجان للسينما ومتحف عبر العالم.

حملات ضد الحرب
وفي خضم الحرب في العراق عام 2003 شدّ فيري الحنين للعودة إلى الشارع لينضم إلى الفنانين كونال وميار ( اللذين تمسكا بالبقاء في الشارع) ليقودا سلسلة من حملات «ضد الحرب» وغزت ملصقاتهما الشوارع الأميركية وكانت رسوماتهما المعادية لجورج بوش ترى في كل مكان: صناديق القمامة، الفانيلات، الأقراص المدمجة، محطات الهواتف والمترو، إشارات المرور، إعلانات فرق الروك ووصلت شهرتهما لغاية دخول ملصقاتهما في عمق متحف هونولولو للفن المعاصر عام 2006 ليصدر فيري بعدها المجلة الأكثر توزيعا في عالم الرسم اليوم وأسماها «احتيال» بالتعاون مع روجر غاستمان تصدرتها محادثة لاذعة يمكن تصورها فحسب لو عرفنا أنها جرت بين جورج أورويل وجورج آخر لكن دبليو بوش!
نشاط استثنائي
الجهد الكبير الذي كان يقوم به فيري وفرقته جعلت رسوماتهم تبرز في الصفحات الأولى لكبريات الصحف الأميركية وكانت تنشر يوميا في قسم الفنون في النيويورك تايمز وتقدم للناس في أفضل معارض زمننا: جوناثان لي فيان. وفي سبتمبر 2008 أقام شيبارد فيري معرضه المنفرد الأول تحت عنوان «الإنسانية المزدوجة» في رواق الرمس في سان فرانسيسكو تضمن 50 عملا ولأن الانتخابات الرئاسية الأميركية تقترب، فقد تبرع بما كسبه في هذا المعرض لدعم حملة أوباما الانتخابية.
Obama HOPE Image
ملصق الأمل
بدأت الأصباغ الأولى التي رسمت «ملصق الأمل» لأوباما على جدران بناية في دينيفر (كولورادو) وسرعان ما انتشرت في شيكاغو وواشنطن ونيويورك بشكل رايات وبوسترات وتقدمت المسارح والمنصات التي كان يلتقي فيها أوباما مع أنصاره. وثمة ملاحظة تاريخية مهمة بشأن هذا الملصق وهي أن الصورة التي اعتمدها فيري كانت لأوباما في غضون حلقة نقاش تخص الإبادة الجماعية في دارفور التقطها المصور ماني غارسيا (يعمل لحساب أسوشيتد برس) الذي لم يتخذ أي إجراء قضائي ضد فيري، لكن الآخرين اتهموه باستفادته بشكل غير قانوني من عمل شخص آخر. ومهما كان الأمر، وبعد الانتشار المذهل لهذا الملصق، قام فيري بإجراء تحويرات في الألوان والضوء عليه في كل مرة وكان الخصوم يتهمون الاندفاع الكبير لهذا الملصق إلى كل جدار في الولايات المتحدة لكونه غير مرخص. ولكن عن أي ترخيص يجري الحديث مع فنان ولدت رسوماته الأولى في الشارع! يقول فيري إنه لم يكتب مفردة «الأمل» في البداية، وإنما «التقدم» ولكن بعد أسابيع من انتشاره، اتصل القائمون على حملة أوباما وطلبوا أن تصاحب الملصق مفردة «الأمل» وهو التغيير الوحيد الذي أجري على الملصق الذي كان يوزع منه نصف مليون نسخة في أوج الحملة الانتخابية.

كيف شكره أوباما؟
يوضح فيري أنه طالما وضع المال خلف ظهره، لذلك لم تصعقه نسبة المبيعات المهولة التي حققها ملصقه ولا يعرف حتى من الذي كان يطبعه وينشره ولا من يمول هذه العملية واعتبر أن همه كان في كيفية دعم أوباما لكي يفوز وتبرع علنا بكل إيرادات الملصق لدعم حملته، وأكثر ما أفرحه واعتبره تتويجا لجهوده رسالة من الرئيس الأميركي الجديد، موجزة ومعبرة وكافية نصها: «أود أن أشكرك لاستثمار موهبتك لمساندة حملتي التي كانت أعمق من الرسائل السياسية وشجعت الأميركان على الإيمان بحتمية تغيير الوضع الراهن. لقد كان لرسوماتك تأثير عميق على الناس سواء التي كنت تقدمها في المعارض أو التي يرونها عند إشارات المرور. واعتقد أني أشعر بالفخر لكوني كنت موضوعا لعملك الفني».

صعلوك إلى الأبد
بالرغم من الشهرة الجبارة التي اكتسبها بعد رسمه «ملصق الأمل» لأوباما الذي تحول في غضون الانتخابات ولغاية الآن إلى أيقونة أميركية شعبيا وفنيا ووطنيا، فإنه اعتقل في السابع من فبراير 2009، وهو في طريقه لافتتاح معرضه في معهد الفن المعاصر في بوسطن، لأنه لم يستطع كبت الصعلوك في داخله حيث قام في ليلة صعد فيها مزاجه، ليرسم بوسترا هجا فيه الشرطة المحلية وطلاه على أحد الجدران. وهي التهمة نفسها التي وجهت إلى فيري الذي لم تسلم جدران مدينة أميركية من أصباغه: القيام بإضرار الملكية العامة!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق